عن أبی عبدالله علیه السلام، قال: «من أصبح وأمسی والدنیا أكبر همه جعل
الله الفقر بین عینیه وشتت أمره ولم ینل من الدنیا الا ما قسم له ومن أصبح
وأمسی والآخرة أكبر همّه جعل الله الغنی في قلبه وجمع له أمره.».
هنا نقف وقفة قصیرة، ونتساءل: ما هی نظرة القرآن الی الحیاة الدنیا؟
ویحسن
بنا أن نستعرض القرآن في هذا الموضوغ، ونستوحیه، فقد اضطربت عقول المسلمین
ونظراتهم، واقوال الباحثین واتجاتهم في هذه الحیاة وقیمتها ومنزلتها.
ان
القرآن یقرر- بكل وضوح وقوة وصراحة- قصر هذه الحیاة الدنیا وتفاهتها،
وتضاؤلها في جنب الآخرة، فیقول مثلاً:«فما متاع الحیاة الدنیا، في الآخرة
الا قلیل؟» [1]:
ویقول: «وما هذه الحیاة الدنیا إلا لهو و لعب وأن لدار الاخرة لهي الحیوان لوكانوا یعلمون». [2]:
ویقول:
«اعْلمُوا أَنَّمَا الْحَيَاة الدُّنيَا لَعِبٌ وَلهْوٌ وَزِينَةٌ
وَتفاخُرٌ بَيْنَكمْ وَتكاثرٌ فِي الْأَمْوَال وَالْأَوْلادِ كمَثَلِ
غَيْثٍ أَعْجَبَ الْكفَّارَ نَبَاتهُ ثمَّ يَهيجُ فترَاهُ مُصْفَرًّا ثمَّ
يَكونُ حُطامًا وَفِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَمَغْفِرَةٌ مِّنَ
اللَّهِ وَرضْوَانٌ وَمَا الْحَيَاة الدُّنْيَا إِلا مَتاعُ الْغُرُور.»
[3]
ویقرركذلك في وضوح وقوة انها قنطرة الی الآخرة وفرصة للعمل.
ویقول :«إِنَّا جَعَلْنَا مَا عَلَى الْأَرْضِ زِينَةً لهَا لِنَبْلُوَهُمْ
أَيُّهُمْ أَحْسَنُ عَمَلا» [4]
ویقول:«الذِي خَلقَ المَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلوَكمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلا وَهُوَالْعَزيزُ الغفورُ». [5]:
ویقرر ان الآخرة هي هیر وأبقی، فیقول: «وما الحیاة الدنیا الا لعب ولهووللدار الآخرة خیر للذین یتقون افلا تعقلون». [6]:
ویقول: «وما اوتیتممن شیء فمتاع الحیاة الدنیا وزینتها وما عندالله خیر وأبقی أفلا تعقلون». [7]:
اذن
هویذم ویشنه من یؤثر الدنیا- هذه الفانیة العارضة السقیمة الماقصة علی
الآخرة- الباقیة الخالدة الواسعة، الصافیة من الاكدار، الخالیة من الاخطار
فیقول: «ان الذین لایرجون لقاءنا ورضوا بالحیاة الدنیا واطمأنوا بها والذین
هم عن آیاتنا غافلون، اولئك مأواهم النار بما كانوا یكسبون». [8]
ویقول:
«من كان یرید الحیاة الدنیا وزینتها نوفّ الیهم أعمالهم فیها وهم فیها
لایبخسون، اولئك الذین لیس لهم في الاخرة الا النار، وحبط ما صنعوا فیها
وباطل ما كانوا یعملون». [9]
ویقول: «وویل للكافرین من عذاب شدید،
الین یستحبون الحیاة الدنیا علی الاخرة ویصدون عن سبیل الله ویبغونها عوجاً
أولئك في ضلال بعید». [10]
ویقول: «یعلمون ظاهراً من الحیاة الدنیا وهم عن الآخرة وهم غافلون». [11]
ویقول:
«فأعرض عن من تولی عن ذكرنا ولم یرد الا الحیاة الدنیا، ذلك مبلغهم من
العلم، ان ربك هوأعلم بمن ضل عن سبیله وهوأعلم بمن اهتدی». [12]
ویقول:
«ان هؤلاء یحبون العاجلة ویذرون وراءهم یوما ثقیلا». [13] ویقول: «فأما من
طغی واثر الحیاة الدنیا فان الجحیم هي المأوی». [14]
ویمدح من یجمع
بین الدنیا والآخرة مع ایثار جانب الآخرة علی جانب الدنیا، ومعرفة قیمتها
وفضلها، الحرض علیها، فیقول: «فمن الناس من یقول ربنا آتنا في الدنیا حسنة
وماله في الآخرة من خلاق ،ومنهم من یقول ربنا آتنا في الدنیا حسنة وفي
الآخرة حسنة وقنا عذاب النار». [15]
ویقول علی لسان نبی الله موسی: «واكتب لنا في هذه الدنیا حسنة وفي الآخرة انا هدنا الیك». [16]
ویمدح خلیله ابراهیم علیه الصلاة والسلام، فیقول: «وآتینا في الدنیا حسنة وإنه في الآخرة لمن الصالحین». [17]
بین
الأدیان السماویة والفلسفات المادیة: وهنا تتعارض الادیان السمائیة،
وتعالیم النبوءة، اومدرسة النبوة- ان صح هذا التعبیر- مع الفلسفات المادیة
والتفكیر المادي، الذي یلح علی ان هذه هي كل شيء، وهي المنتهی، ویبالغ في
تمجیدها وتقدیسها، والاحتفاء بها، والحرص علی ترقیهها وتحسینها وتزیینها.
وقد تجلت هذه النفسیة القرآنیة أوالنظرة القرآنیة الی الحیاة في كلام النبی
(ص)، وكثیراً ما كان یقول: «اللهم لاعیش الا عیش الآخرة».
وكان دعاؤه: «اللهم اجعل الرزق آل محمد قوتا- وفي روایة: كفانا».
وعن
المستورد بن شداد: قال سمعت رسول الله (ص) یقول: «والله ما الدنیا في
الآخرة الا مثل ما یجعل احدكم اصبعه في الیم. فلینظر بم یزجع».
وقد
كانت حیاته الطیبة مرآة صادقة لهذه العقیدة والنفسیة، فمن ابن مسعود رضی
الله عته: ان رسول الله (ص) نام علی حصیر. وقد اثر في جسده، فقال ابن مسعود
یا رسول الله لوأمرتنا ان نبسط لك ونعملريال فقال: «ما لی وللدنیا، وما
اما والدنیا الا كراكب استظل تحت شجرة ثم راح وتركها».
ویقول عمر بن الخطاب رضی الله عنه في حدیث ایلاء: «قد خلت علی رسول الله (ص) فاذا ومضطجع علی رمال».
حصیر
لیس یسنه وبینه فراش قد أثر الرمال بجنبه متكئا علی وسادة من أدم حشوها
لیف تسلمت علیه... الی أن قال قرقعت یصرة في بیته فوالله ما رأیت فیه شیئاً
برد البصر غیر أحب ثلاثة
فقلت یا رسول الله ادع الله فلیوسع علی
أمتك، فان فارسا والروم قد وسع لهم واعطوا الدنیا، وهم لایعبدون الله، فجلس
النبی(ص) وكان متكئاً، فقال: «أوفي هذا أنت یا إبن الخطاب ان اولك قوم
عجلوا طیباتهم في الحیاة الدنیا».
تحرج العقلیات وبعض الدعوات من عقیدة الآخرة:
ولا
تستطیع العقلیات والدعوات التي لم تتشبع بروح الایمان، ولم یتلق التوجیه
والتربیة من مدرسة الرسول (ص) مباشرة ان نهضم هذه الفكرة والعقیدة،
اوالاتجاه ولاتسیفه، ولاتزال في صراع منها أوفي حرج من ذلك، وتحاول الفرار
منه أوتعلله بانه كان في عصر خاص، وبیئة خاصة وبظروف واسباب، ولكن الذی
لاغموض فیه أن القرآن وسیرة الرسول، والحدیث النبوي ممتلئ بهذه الروح وأن
هذه هوالمزاج الاسلامی، أوالنفسیة الاسلامیة، التي تتكون تحت تأثیر التربیة
الاسلامية النبویة، ان تعمل عملها بحریة وتنشئ جیلا خاصا یخلق في الاسلام
خلقا جدیداً ولم تسائره العوامل الاجنبیة، كلن ذلك مزاجه أوطبیعته أونفسیته
:« زهد في هذه الدنیا وزخارفها، وقناعة بالقدر الكافي، واهتمام بالآخرة
وما ینفع فیها، وحنین الی لقاء الرب، وایثار ما عند الله علی ما في هذه
الحیاة واستقبال للموت علی الایمان وفي سبیل الله، وقد تفیض علی شفة هذا
الطراز المؤمن كلمة السابقتین من أصحاب الرسول (ص)غدا الا في الاحبة،
محمداً وحزبه».
المصادر:
1.القرآن الكریم.
2.اصول كافی، ج2، كتاب الایمان والكفر باب حب الدنیا، حدیث15..
3.النجاری: النكاح، ج2..
4.ابن جوزی: صفوة الصفرة، بلاتا.
5.جوادی آملی، عبدالله: الحماسه والعرفان، چاپ نهم، مركز چاپ وانتشارات اِسراء، مركز نشر اسراء، 1377هـ. ش.
6.راغب اصفهانی: معجم المفردات الفاظ القرآن، المكتب المرتضویّة لأحیاء الآثار ال...ریه؛ چاپ دوم، چاپخانه سلیمانزاده، 1427هـ.ق.
7.قمی، عباس: خلاصه معراج السعاده، چاپ پنجم، چاپخانه سلمان فارسی، زمستان 1376 هـ . ش.
8.مسلم: الزهد: ج2..
9.مرآة العقول، ج10، ص264؛ كتاب ایمان وكفر، باب حب الدنیا.
10.نهج البلاغه.